غنيم بن بطاح

بضع أوراق.. أكتب ما يجول في فكري عليها.

الخيل.. وأمة الخيل

٢٠١٣٠٥١٣-١٩٥٧١٤.jpg

أذكر أني قبل ما يُقارب عشر سنوات وبالتحديد في المرحلة الثانوية، أشتريت كتاباً يتناول في بعض فروعه، الرحالة الغربيين وأخذهم للخيل العربية من ديار العرب وتهجيرها للغرب، وهو كتاب “الخيل العربية في مذكرات السيَّاح والرَّحَّالة”، للمؤلف أسعد الفارس.

وكنت قبل ذاك الكتاب منذ الصغر، شغوفاً بالخيل العربية والقصائد التي قيلت فيها، وكنت أعشقها لأمرين، الأول لعشقي لسيَر من يركبها من الفرسان، وثانيا..، لعشقي لصفاتها وجمالها وأصالتها وتاريخاً عربياً عتيقاً، قد تجسَّد بها وأصبح معها كالريح، يذهب معها أينما ذهبت، وهي كذلك لا تغادره..، وكيف لها أن تغادره، وهُن بنات الريح، والعشق ، ورمز الفخر، والصحراء العربية.

أما لما..!؟ طرَق هذا الهاجس فكري، هو أنني وأنا أتصفح لبعض إحصائيات الخيل العربية الغريبة في بلاد العجم، وحين أقول غريبة فهي بغربة.. بحق، فقد سُلبت من جزيرة العرب، حين كان أهلها قبائل متناحرة جاهلة بكيان الدولة، أو أنها تعلم بها ولكن كفرت بها، لما رأت من فساد وإهمال من أواخر العثمانيين ومن هم قبلهم.

حينها بدأت تنساب أعداداً لا حصر لها من خيلنا، بل وأنقاها دماً وعرقاً و”جينات وراثية”.. للترك وأوروبا، ومن ثم أتت “أمريكا”، وما أدراك ما الأخيرة..، حيث يذكر الباحث أسعد الفارس وهو باحثاً أردنياً بالخيل والشعر وتاريخ الجزيرة وبادية الشام، وله مؤلفات جداً جميلة، أن في عام 1977م، قُدَّر عدد الخيل في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، بما يقارب مئة ألف من “رمك وحصن”، وقد شكَّل هذا الرقم صدمة كبيرة بالنسبة لي.

لأن حينها أختلطت علي الأفكار في ساعة واحدة، أهي تبِعات الإقتصاد و الفقر المدقع لأجدادنا “قبائل الجزيرة”، مما جعلهم يبيعون خيلهم، والتي كانت غالية بلا شك عندهم، وترمز لهم الشيء الكثير، أم أنها سياسة الغالب والمغلوب، وسيطرة الغرب على حكام العرب، أما أنها مسألة توطين البدو والإخوان بالتحديد في “الهجر”، وإرغامهم بشكل غير مباشر، بل ومباشر لبيع أبلهم وخيلهم.

أم أنه تطور المجتمعات لا غير..، وصيْرورة المدينة الحتميّة، وطبيعة تحوّل الإنسان معها بنمطه الإجتماعي والمعيشي..، ولكن هل كان لزاماً عليناً بيع خيلنا وتراثنا لو كانت الدولة حينها، تدعم معاشها وإبقائها..!؟

ختاماً، هذا ما حصل معي، تساؤلات تأتيني كلما قرأت قصص الأجداد وأجد فارساً مشهوراً من نجد، كشالح بن هدلان، حين كبرت سن فرسه وسقطت أسنانها وما عادت تقوى على الأكل فيأتيه أقاربه ويقولوا أنحرها يا فلان، فما عادت تأكل وهرمت، حينها يقول لهم لا..، كيف أذبح الكحيلة، وقد حملتني في ذاك وذاك، وغرْت بتلك الغزيه بها..، فيظل يزوّدها بالزاد حتى ماتت ميتة طبيعية، وكذلك قصة أخرى لجدي بطاح بن محمد الجغواني، قبل ما يُقارب 400 عام، حين أصيبت فرس له، وقالوا له أقاربه أنها عابت فكسرها بليغ، وأن جُبرت تبقى عايبة، فأنحرها…، وعلى الرغم من أمتلاكه خيل غيرها لكنه أصر عليها، ورحمها وأحبها، فنصب قوائم خشبية وربطها بها، وشدَّ الرباط، وظل شهوراً عديدة يزوّدها بزادها دون أن تغادر مكانها، ويُسقيها حليب النوق، حتى طابت، وكأنها لم تُمر بحادثة كسر من قبل، مما جعل كل من رآها وهو عارف بحادث كسرها، يُصاب بالذهول.

والقصص كثيرة لقبائل نجد والجزيرة عموما، ومدى محبتهم للخيل وإهتمامهم بها، فهُم يعاملونها معاملة نفسٌ بشرية ولها مكانة نفيسة تتعدى كونها علاقة نفعيَّة بحتة، بل أن أحدهم ماتت فرسه، فحفر لها قبر ودفنها ووضع على قبرها نصايب، إكراما لها، وهو عنزي.

الحديث يطول..، لكنه حديث ذو شجون..، أثارني له معدلات الهجرة الضخمة في القرون الأخيرة، للخيل العربية وأعدادها بالغرب مقابل أعدادها وما تبقيَ منها في بلاد العرب اليوم..، في النهاية..، أشكر كل من شاركني بهاجس الخيل وحال أمة الخيل.

أضف تعليق

Information

This entry was posted on 13 ماي 2013 by in Uncategorized.

الابحار